“الهيبة جبل”.. آخر فصول الملحمة الدرامية
“الهيبة جبل” جزء خامس من ملحمة درامية ترك أبطالها بصمة في أذهان المشاهدين. لم تكن “منتهية” هذه السردية الفنية التي تناقلت مفرداتها الألسن وحطت عناوين على المحلات وباتت إسما تجارياً يعلن أن الفن ترسخ في اليوميات المعاشة.
شركة “الصباح للإنتاج” تسدل الستارة على أخر فصول الهيبة بعد أن أعطت خمسة مواسم من التشويق، مرّ فيها أسماء فنانين كثر أبدعوا بمرورهم وسجّلوا حضورهم في سطور السطوع، مع مخرج – سامر البرقاوي – لا يمر إلا مع الكرام.
جبل الهيبة “تيم حسن” لم يخفق مرّة ولم ينزلق في مواسمه الخمسة، بل واصل صعوده إلى أن فتح منزلاً في أعلى القمة.
هذا الجبل الذي صنع أسطورة الشجاعة في كل عبسة وكل بسمة وكل كلمة، واستطاع رسم شخصية نراها فقط في الأعمال الفنية؛ فهو الرجل الذي لا يخشى ويخشاه الجميع، الذي لا يخاف ويخافه الكل. يبني قانونه بنفسه ويسطّر العدل حسب مفهوميته القبلية. رجل نريده بيننا متكأ وملجأ، وقادرًا على قول “لا” لكل ما ينغّص أهله أو يجرؤ على فرض الظلم والتعنت.
الهيبة وطن صغير يلخّص الكثير من أوطاننا، حيث القانون مغيّب والدولة عاجزة. فهذه الهيبة هي نحن بأوجاع ناسها وقلقهم، الأرض المفتوحة على كل شيء، هي السد المائي الذي من تحته تمرّ أنفاق الإرهابيين، هي أرض التهريب ومصانع المخدرات، هي الفقر الماجن بناسه، هي الكرامة المجبولة في نشأة بعضهم، هي الدنو الذي يهبط ببعض المنتفعين، هي مكان النجاسة والقداسة معاً.
جبل الهيبة لم يخرج عن القانون بل سنّ قوانينه عندما غابت دولة القانون عنه؛ لم يقتل الا عندما استبيحت أرضه وتعرّض ناسه للمخاطر. ولأن “الهيبة” تشبهنا، تماهى الناس فيها وبأبطالها وبات الشجاع مثلًا يحتذى به، حفظوا كلماته، قلّدوه، تمنّوا لو يكون بينهم واحداً فقط يشبهه، يأخذ بثأرهم، يحرّرهم، يتطلع فيهم، يرد الغبن عنهم، يحفظهم ويبني لهم موطناً.
أيميه صيّاح دخلت الهيبة في جزئها الخامس بعد أسلافها نادين نجيم ونيكول سابا وسيرين عبد النور وديما قندلفت، لتكون الحبيبة التي ستبني مكانتها في قلب جبل الهيبة وفي نفوس المشاهدين. لكن هل استطاعت صياح فعلاً أن تحتل مكانة نادين نجيم صاحبة الصوت المعبّر والحضور الآسر والشخصية المشدودة؟ أو مكانة نيكول سابا بنبرتها العالية وشخصيتها المستفزّة؟ أو سيرين عبد النور بجمالها الباهر وأنهار أنوثتها؟ أو بريق قندلفت بصمتها المعبّر وعيونها التي تحكي نصوصاً من المكر والحب؟.
حضور صيّاح حتى اللحظة عاديّ، يدخل في السجل العام لأي ممثّل شارك في هذه “الهيبة”، فهي لا تزيد عن هند خضرة ولا عن روزينا لاذقاني ولا عن أم علي أو أي شخصية أخرى. هذا الوجه القيادي الآسر يغيب مع صيّاح كأنثى ستحظى بقلب البطل الذي لا يُقهر، البطل الأنشودة، المخلوق من السحر؛ امرأة تغزل خيوطها بقوة لتدهش، لتثير، لتكتب نفسها بطلة تحاكي الخيالات وتوثق حضورها بالقلب. فهل النص حتم هذا الإطار لصيّاح أو هي لها اليد في رسم هذه الشخصية التي تُبلع دون أن يبقى مذاقها معلقاً في رأس الحلق.
لن نحكي عن سيّدة الهيبة منى واصف، فهي خارج الكلام؛ هي إن جلست عمرت المكان وإن رمشت هزّت الأرواح وإن تكلّمت سمعنا لها بعشر حواس وإن تحركت دار الكون فينا وإن ضحكت أو بكت سرقتنا من أنفسنا ووضعتنا حيث تذهب دمعتها أو ابتسامتها.
جديد “الهيبة جبل” حضور لافت لسعيد سرحان، هذه الشخصية التي تشبه كل المذاقات معاً، فمرّها حلو وحلوها عميق وحركتها عفوية. سرحان الذي خرج كمارد يتسلّق، يشاغب، يضحّي، يعشق، يكتم وجعاً يسطر شجاعة؛ فكل ما فيه يحكي حتى صمته، مشيته، حركته، فيستطيع في برهة أن يبني أفلاك من الأمزجة المتناقضة. ممثّل قاد دوره كأنه يدير اللحظات في بؤبؤ العين. شخصية ماهرة حذقة ورشيقة.
والجديد الملفت الآخر، مشاركة عبيدو باشا الكاتب والناقد الصحفي القدير، فاستطاع أن يمتشق دوره كما ينسج نصّه النادر. القليل منه كثير ومعبر.
أما عبد المنعم عمايري، فبالرغم من أنّه أساس في بناء الجزء الخامس من الهيبة كونه المحرّك وعدو جبل وغريمه، لكن لم يرتفع هذا العدو الى مكانة الحرب مع خصمه، لا في الشخصية ولا في الادوات ولا في العدة. هذا العدو الذي يجب أن يستلهم كل طاقاته من أجل المجابهة، كانت حربه خاسرة على كافة الصعد وبقي تيم حسن الجبل الذي لا يقهره سد ولا مهندس سد، وعمايري لم يعمر الصدّ في الهيبة كما يوحي اسمه.
الهيبة ستقفل وسيعود أبطالها أدراجهم حاملين مواسم النجاح وبصماتهم في قلوب الملايين، وسنبقى نحلم بجبل يكون متكأ وبرجل يتسلح بالكرامة من أجل الدفاع عن أهله.
كمال طنوس